تعبئة الكرش عبر العصور: من الحاجة إلى العادة
لقد عرف الإنسان منذ أقدم العصور الحاجة إلى تعبئة كرشه، حيث ارتبطت هذه العادة بمختلف الحضارات والحقب التاريخية. فكان العرب في الجاهلية، عند حلول المواسم والمناسبات، يعبئون كروشهم، حتى قال قائلهم: "أكرموا الضيف بتعبئة كرشه، فإنها مرؤة الرجال."
وفي العصر العباسي، بلغت تعبئة الكرش مبلغًا عظيمًا، فكانت الموائد تمتد بألوان الطعام، حتى أن بعض الخلفاء، مثل الخليفة الأمين، كان يُروى عنه أنه يجلس على مائدة يزينها أكثر من ثلاثين صنفًا من الطعام، يتنقل بينها في هدوء الملك الواثق، حتى إذا عبأ كرشه، أُحضرت له المناديل المعطرة ليُمسح بها أثرالتعبئة.
وفي العصر العثماني، استمر التقليد، فأقيمت موائد الإفطار في رمضان، حيث كان يُجلب الطعام من شتى الأقطار، وكان الأغنياء يتفاخرون بمدى قدرتهم على تعبئة كروشهم، فامتلأت الكروش حتى عُرف بعضهم بـ"الخواجة المعبئ"، دلالةً على الرخاء والقدرة على تعبئة الكرش بالمآكل والمشارب.
أما في العصر الحديث، فقد تغيرت العادات الغذائية، لكن بقيت عادة تعبئة الكرش قائمة، وإن تحولت من رمز للكرم إلى عادة اجتماعية، تُمارس في المناسبات الكبرى والأعياد، وأحيانًا لمجرد الترويح عن النفس بعد عناء يوم طويل.
وهكذا، نجد أن عادة تعبئة الكرش لم تكن مجرد فعل غريزي، بل انعكاس لحالة الإنسان الاقتصادية والاجتماعية، ومقياسًا لمدى رفاهيته عبر العصور.
و هنا يا عزيزي القارئ اتركك مع تساؤل و مساحة للتفكير الفلسفي العميق، برأيك، ما هي أكثر الطرق فعالية في تعبئة الكرش و ما أكثر الطرق ريادية في التعبير عن اتمام هذه العملية؟
و انهي هذا المنشور بقول ابو الطيب المتنبي:
ألا لا تلوموني على حبِّ مأكلٍ ** فإني إذا جعتُ استبدَّ ضرامي
فإن تُمتلئْ كرشي فذلكَ مجدُها ** وإن تهزلِ الأجسادُ فالإعدامُ